في عالم العلوم والفنون، يتنافس أصحاب العلوم والمهارات والمواهب على ترويج منتجاتهم وإبراز أهميتها فكل فنان يسعى لأن تكون بضاعته هي الأكثر شهرة وتأثيرًا، ويقوده هذا إلى تقليل قيمة ما سواها.
هذه الظاهرة تتجلى بوضوح في فن الخط العربي، حيث يحاول كل خطاط أن يثبت أن نوع الخط الذي يتقنه هو الأصعب والأكثر أهمية، مثله مثل تاجر يسعى لترويج بضاعته بين الناس لأسباب تقود إلى المكانة أو بيع الأعمال وغيرها من
الدوافع.. على سبيل المثال نجد أن من يكتب الثلث بشكل جميل يحاول نشر فكرة أن خط الثلث هو الخط الصعب والأهم، في حين أن الخطوط الأخرى سهلة ولا تضاهي جودته. ولكن، إذا كان هذا الخطاط يعتبر الخطوط الأخرى سهلة، فلماذا لا يكتب بخط النستعليق أو النسخ أو الديواني؟ هذا التساؤل يفتح بابا للنقاش حول دوافع هذا الترويج، ويكشف أن القائل لهذه العبارات يسعى في نهاية المطاف لترويج فنه الخاص لأسباب ومصالح شخصية .
والجدير بالذكر أن هناك أيضًا من يروج لخط النسخ باعتباره أهم الخطوط لأنه ارتبط بالقرآن الكريم. وهنا أيضا نرى ترويجا لبضاعة فنية معينة على حساب الخطوط والجماليات الأخرى. ولكن لو فكرنا قليلا فيمن نشر أو ينشر هذه الأفكار الصبيانية التي هي بعيدة كل البعد عن الواقع الفني لوجدنا أن العبارات هذه صدرت عن نفس الأشخاص سواء قديما أو حديثا وفي سياق هذا الترويج والتفاضل بين الخطوط، نجد أن بعض الخطوط تُهمّش بشكل غير عادل مثل خط الرقعة والديواني.
على الرغم من جمالهما وسهولة استخدامهما، إلا أن هذين الخطين لا يحظيان بالتقدير الكافي مقارنةً بخطوط أخرى. خط الرقعة، المعروف بجماله وسطره واتزانه وخط الديواني، بأناقته وانسيابيته وتكويناته السطرية الفاتنة ، كلاهما يعكسان جوانب مميزة من الفنون العربية، ورغم ذلك، غالبًا ما يُنظر إليهما بنظرة أقل شأنا.
الحقيقة أن الفنون، خاصة تلك التي تسير على نسق واحد مثل الخطوط العربية، لا يمكن أن نفاضل بينها بسهولة. فكل خط له جماله ووظيفته الخاصة، وكل خط يضيف لمساته الفريدة إلى النص العربي، جميعها تكمل بعضها البعض وتثري التراث الفني العربي.
في النهاية، الفنون هي عالم من التنوع والإبداع ، ولا ينبغي أن نحصر قيمتها في نوع واحد أو نفضل خطا على آخر. كل خطاط يجب أن يقدر جميع الأنماط الفنية وأن يساهم في نشر جمالها وتنوعها، دون محاولة تهميش أو تقليل من شأن الخطوط الأخرى.
الفنون تزدهر بالاعتراف المتبادل والإبداع المتواصل، وكل نوع منها له مكانه وأهميته في هذا النسيج الفني الرائع ولا مانع من الترويج الفني لفنك أيها الخطاط ولكن ليس على حساب تهميش الآخرين من الأشخاص أو الأنواع وصدق غازي القصيبي رحمه الله.
الترويج السلبي للفنون ومبدأ المفاضلة
الترويج السلبي للفنون ومبدأ المفاضلة
قد يعجبك أيضا