إلى كل من يقف على عتبة نهاية العام
لعلّ أوّل ما يخطر ببالنا في مثل هذه الأيام هو تعداد الخيبات والأحزان التي مرّت بنا خلال العام، وكأنّ فرحًا لم يطرق أبوابنا، أو إنجازًا لم يشرّف يومنا. إنّنا بمجرّد أن نركّز على ما خسرناه، تتضاءل في أعيننا الفرحات الصغيرة أو الكبيرة التي مرّت بنا، والأوقات الجميلة التي احتضنتنا دون أن ننتبه لها بما يكفي.
وعندما نستشعر التقصير في تحقيق طموحاتنا، نلجأ غالبًا إلى تعويض ذلك عبر وضع خططٍ ضخمة وأهدافٍ غير واقعية للعام الجديد، ظانّين أنّنا بذلك سنمحو الإخفاقات السابقة. لكن ما يحدث في الغالب هو أننا نثقل كواهلنا بالمهمّات ونتعجّل النتائج، فيتسلّل الإحباط إلينا حالما نصطدم بصعوبة الالتزام بكل تلك المطالب. وهنا تكمن الحكمة في التدرّج والواقعية، إذ إنّ الخطوات الصغيرة المدروسة قد تفوق في أثرها الوعود الكبيرة التي نعجز عن الوفاء بها.
لا تجعل تفكيرك عند نهاية العام منصبًّا عليك فقط. التفت إلى من حولك، لأهلك وأقربائك وأصدقائك. راجع علاقاتك بهم؛ هل أعطيتهم ما يستحقّون؟ هل عبّرت عن حبك وامتنانك؟ أم أنّك انشغلت عنهم بنفسك وهمومك الخاصة؟ إن تقييم هذه الروابط الإنسانية ليس أقلّ أهمية من تقييم إنجازاتك الشخصية، بل هو عنصر أساسي يضفي المعنى على حياتك ويضخّ في روحك الدفء والسكينة.
وتذكّر دائمًا أنّ العلم والتعلم هما السبيل الأمثل للرقي بالنفس والعقل، مهما بلغتَ من العمر، ومهما كانت ظروفك. في العلم تتحرّر العقول من جمودها، وتتّسع مدارك الإنسان ليصبح أكثر قدرة على مواجهة تحدّيات الحياة بوعي وحكمة. اغتنم كل فرصة للتعلم؛ فليس هناك ما يسمو بالإنسان أكثر من معارف تضيفها إلى نفسك وتضيء بها طريقك.
ولا تنسَ الاعتناء بجانبك الروحي والأخلاقي. إنّ النفس هي أعظم ما يمكن تهذيبه وتزكيته؛ فهي بوابة صلتك بربّك ومجتمعك وذاتك أيضًا. حاول جاهدًا أن تُخفّف من أثر نوازع الشر والتقصير، وأن تُقلّل من الأخطاء قدر استطاعتك، مهما بدت هذه المهمة شاقّة. فالقليل المستمرّ أفضل من الكثير المنقطع، وتهذيب النفس ليس مرحلة واحدة، بل رحلة مستمرة على مدى العمر.
في نهاية هذا العام، تذكّر أنّ الزمن دورةٌ تتجدّد على الدوام، وأن العام الآتي يفتح لنا بابًا جديدًا لتصحيح المسار وترتيب الأولويات والسعي نحو التطوّر. فلنجعل هذه اللحظات فرصةً للمراجعة والتعلّم، لا بابًا للندم والعجز. ومع كل إشراقةِ يوم، تبقى أحلامنا ممكنةً إذا تحلَّينا بالصبر، وسعينا إلى العلم، وحافظنا على إنسانيتنا مع من حولنا.
على عتبة نهاية عام 2024م

على عتبة نهاية عام 2024م
قد يعجبك أيضا